النائب.. مشرّع للشعب أم ناشط مدني بمكتب بريد؟

zainab20 أغسطس 2025آخر تحديث :
النائب.. مشرّع للشعب أم ناشط مدني بمكتب بريد؟
النائب.. مشرّع للشعب أم ناشط مدني بمكتب بريد؟
وكالة الوتد نيوز الدولية
بقلم / عامر جاسم العيداني
في العراق يبدو أن بعض النواب قد اختصروا مهامهم في كتابة المخاطبات الرسمية إلى الوزارات والدوائر ثم الانتظار لرد يأتي غالبًا بعد فوات الأوان وكأنهم موظفو بريد لا مشرّعون وهناك من يكتفي بإصدار بيانات انتقاد أو نشر صور على مواقع التواصل لزيارات ميدانية يقف فيها على منصة شارع أو أمام بناية متهالكة يرافقها تعليق فضفاض عن معاناة المواطنين بينما البرلمان الذي أُرسلوا إليه يظل بلا أثر حقيقي لعملهم.
النائب ليس ناشطًا مدنيًا يكتفي بالصوت العالي والمطالبات العامة ولا معلقًا سياسيًا ينتظر أن تلتقطه الكاميرات. إن وظيفته الأولى والأخيرة أن يكون ممثلًا للشعب داخل قبة البرلمان يعمل على تشريع القوانين التي تغيّر حياة الناس ويمارس الرقابة الصارمة على السلطة التنفيذية ويحاسب كل من يقصّر مستخدمًا صلاحياته الدستورية لا بمنشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي .
الدستور العراقي لم يجعل النائب وسيطًا لنقل الشكاوى بل منحه أدوات تشريعية ورقابية واسعة تبدأ من اقتراح القوانين وتمتد إلى الاستجواب وكشف ملفات الفساد وإيقاف هدر المال العام. لكن الواقع أثبت أن أغلب النواب يُقاس أداؤهم بعدد المخاطبات والزيارات لا بعدد القوانين التي قدّموها أو الملفات التي فتحوها وحتى الاستجوابات التي يفترض أن تكون ذروة العمل الرقابي كثيرًا ما تنتهي إلى مساومات وصفقات سياسية ليخرج المسؤول من القاعة أقوى مما دخل ويخرج المواطن أكثر يأسًا من جدوى ممثليه.
ولعل الأمثلة ماثلة أمامنا كثيرة ، ملفات الخدمات المتلكئة في قطاعات الكهرباء والماء والطرق التي تحولت إلى شعارات انتخابية مؤقتة لا إلى قوانين وإجراءات مُلزمة. كم نائبًا وعد بمعالجة أزمة الكهرباء ثم اكتفى بجولات ميدانية وصور على مواقع التواصل؟ وكم نائبًا صعّد نبرته في الإعلام حول أزمة السكن أو المستشفيات ثم عاد إلى صمته تحت قبة البرلمان؟ لقد باتت بعض القضايا أشبه بمواد للترويج السياسي أكثر من كونها ملفات لحلول عملية.
من واجب النائب أيضًا أن يقف مع أبناء مدينته وحكومتها المحلية في معاركهم الإدارية والمالية، فيسعى جاهدًا لصرف استحقاقاتها من الموازنة ويضغط على الحكومة الاتحادية لحل مشاكلها الخدمية والتنموية ويقترح الحلول العملية بدل الاكتفاء بتكرار النقد والتشخيص ، ان النائب الفاعل لا يكتفي بوصف الأزمة بل ينخرط في صناعة المخارج ويقاتل من أجل حصة مدينته من المشاريع والحقوق لأن ذلك جزء لا يتجزأ من أمانته أمام ناخبيه.
لقد صار المواطن يرى بعض النواب أقرب إلى “نشطاء واتساب” منهم إلى مشرّعين ترى كلماتهم الرنانة وصورهم الميدانية وبياناتهم المتكررة لا تغيّر من الواقع شيئًا بل تزيد من إحباط الشارع الذي ينتظر قوانين تحميه والمطالبة بموازنات عادلة تنصف مدنه ومحاسبة حقيقية للفاسدين. أما الإعلام فقد ساهم بدوره في تكريس هذه الصورة ، إذ ركّز على الاستعراضات الخطابية للنواب أكثر من متابعة أدائهم في اللجان البرلمانية حيث تُصنع القوانين ويُبنى عمل الدولة.
المواطن لا يحتاج نائبًا يجمع الشكاوى ويعيد إرسالها إلى الوزارات بل نائبًا يفرض تنفيذ القوانين ويحمي المال العام ويضغط من موقعه الرسمي حتى تتحقق الوعود. النائب الذي يحوّل منصبه إلى منصّة خطابية أو بريد شكاوى يفرّغ التجربة الديمقراطية من مضمونها ويترك الناس أمام دولة بلا صوتهم الحقيقي تحت القبة. وإذا استمر هذا النمط في أداء البرلمان فإن الديمقراطية ستتحول إلى واجهة شكلية لا أكثر ويُختزل دور النائب في صورة معلّقة على جدار مكتب بريد.
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة