
فاضل المخزومي
تحت ظل شجرة عتيقة، حيث تتهادى الذكريات كأوراق الخريف، جلست أقلب دفتراً ورثته.
في صفحاته الصفراء تتنهد حكايات باهتة، تروي فرحاً ولد وأحلاماً رحلت. بين السطور، وجوه غابت لكن ضحكاتها بقيت كندى على زجاج الزمن.
توقفت عند صفحة مكتوبة بخط يرتعش كقلب خائف. حكت عن بيت صغير تم بناءه بحب، ثم جاءت امرأة بابتسامة ملتوية، قالت بغيظ:
لا نريد قصرا بل بيت بسط “كانتا عينيها تسكبان الدمع كجمرتين تحت رماد. نظرة منها أحرقت البيت، فتحول إلى ركام بيع بثمن بخس.
تذكرت كلمات أمي وهي تهمس: “احذر من يمدحك بلسان ويطعنك بظلام.” عرفت لاحقاً أن الحسد نار تأكل قلب صاحبها قبل الآخرين. كما قال الإمام علي: “الحاسد لا يشفيه إلا زوال النعمة.” فعلاً، بعض الوجوه التي احتضنتني كانت تزرع السم في كأس العسل.
لكن الجروح علمتني أن أقرأ الصمت بين الكلام، وأن النور قد ينبعث من صدوع الروح. الألم صقلني كالنار تصهر الذهب، والانتظار الطويل غدا ترنيمة أمل. حتى الخطوات التي جرحتني صارت شموعاً تضيء دربي.
أغلقت الدفتر، وتأملت الأفق. الحياة معجزة تجمع بين الفرح والألم في قلب واحد. القدر يرسم حكاياتنا بنار وألماس، والغيوم حين تنقشع تترك سماءً أصفى.
أما تلك المرأة الحاسدة؟ امتلكت ثلاث بيوت، لكنها عاشت تسقي ظلها بكأس من سراب. تردد: “لا الفقير يبقى فقيراً ولا الغني غنياً!” كلمات حق يراد بها باطل، تختفي وراءها مرارة من لم تعرف يوماً أن السعادة لا تبنى بخراب الآخرين.
الدفتر اليوم صار مرآة لعالم رأيت فيه: الحروف ليست حبراً على ورق، بل ظلال أرواحٍ مرت، تركت بين السطور أسراراً تضيء لمن يقرأها بقلب يحب الخير.










